أحدث أخبار ليبيا – 30 أغسطس 2011
Posted on: أبريل 27, 2012, by : Editorبعد شهور من العنف في جميع أنحاء ليبيا، هناك دلائل تشير إلى تحول حاسم في الجهود المبذولة لخلع العقيد الليبي معمر القذافي عن السلطة بعد 42 عاماً. فقد استولى مئات الثوار على منزل القذافي في مجمع باب العزيزية بطرابلس، مع تلاشي القوة العسكرية وعناصر الاستخبارات المُهابة. ومع ذلك، فإن الانتقال لن يتم على الأرجح بهذه السهولة والبساطة. فالقذافي لا يزال طليقاً، وطرابلس لا تزال تسودها الفوضى، والمتمردون لم يستولوا بعد على مدينة سرت مسقط رأس القذافي.
كان اقتحام المجمع بمثابة إيذان بالانهيار الفعلي لنظام حكم القذافي. وبعدها بيومين، اجتمع دبلوماسيون من 29 بلداً، وممثلون من منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الافريقي والامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والمجلس الوطني الانتقالي الليبي، في اسطنبول للاجتماع بمجموعة الاتصال الليبية، وهي ائتلاف من الحكومات العربية والأوروبية وكذلك الولايات المتحدة وتركيا، للتخطيط لمرحلة ما بعد القذافي. وافتتح وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الاجتماع بكلمته التي قال فيها: “إن الانتصارات العسكرية للمجلس الوطني الانتقالي ضد قوات القذافي في طرابلس قد قرَّبت الشعب الليبي من القضية النبيلة التي كانت يناضل من أجلها، وهي الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية.” وأضاف أنه ينبغي إعلان المجلس الوطني الانتقالي رسمياً باعتباره الحكومة الجديدة في ليبيا.
غير أن الانتقال على الأرجح لن يكون سهلاً كما يتنبأ داود أوغلو. أولاً، لم يكن هناك انتصار حاسم. فطرابلس لا تزال بؤرة للصراع بين المتمردين وسيطرة الموالين. كما يستمر العنف الآثم من كلا الجانبين، إذ تفيد تقارير وردت حديثاً أن ما لا يقل عن 30 جندياُ من الموالين قد تعرضوا لأبشع صور التعذيب والإعدام في مخيم عسكري في وسط طرابلس. كما واجه الجنود الثوار أعمال عنف مماثلة على مدى الأشهر القليلة الماضية، وكذلك المدنيون الليبيون الذين طُردوا من ديارهم في مختلف الحالات، وحُرموا من الرعاية الصحية في المستشفيات، وتعرضوا للتهديد والاختطاف والقتل.
وبينما يواصل الجنود البريطانيون والفرنسيون إرشاد قوات المتمردين في الميدان، يشهد هذا الأسبوع استعداداً لشن هجوم على مدينة سرت، البلدة الساحلية الأخيرة التي لا تزال في أيدي القوات الموالية للقذافي، ويستمر السعي للعثور على القذافي. وقد رُصدت مكافأة مالية قدرها مليوني دولار لمن يعثر على القذافي، حياً كان أو ميتاً. وقد وجه القذافي رسالة صوتية وجيزة عبر قنوات التلفزيون الموالية يوم الخميس، لمؤيديه الذين ما زالوا يقاتلون دفاعاً عن النظام. وفي بيانه، حث الموالين بقوله “اذهبوا لتطهير طرابلس كلها. اخرجوا واطردوا منها كل الفئران.” ودعا الموالين إلى تعقب المتمردين في كل مكان، واستعادة السيطرة على المنطقة، ومنع “الأعداء” من لمس الأرض الطاهرة. بعد أربعة عقود في الحكم، صار القذافي طريداً، هارباً دون أمل في العودة إلى كرسيّ السلطة. ورغم أن مصدر البث لا يزال غير معروف، إلا أن القذافي أوضح أنه لن يستسلم، وإلا فليمت شهيداً.
إذا كانت هذه هي حقاً نهاية حكم القذافي، وهو ما يؤكده تحليل الأحداث الأخيرة بوضوح، يجب علينا تقييم الخطوة التالية بالنسبة لليبيا. كزعيم، فقد القذافي السلطة والمصداقية والسيطرة الجغرافية. ولكن في حالة فراغ السلطة، من ستكون له السيطرة؟ لم يكن هناك نصر واضح في طرابلس. فالمتمردون والموالون يواصلون القتال في معارك تفتقر إلى الحسابات الاستراتيجية والتنظيم. وفي طرابلس، شوهد المتمردون يطلقون النار في الهواء، وعلى أنفسهم في بعض الأحيان عن طريق الخطأ وعلى المباني أو السيارات. وفي لحظات الاحتفال أو النصر، أطلقوا الرصاص العشوائي على مقربة من الأطفال. فالتنظيم السياسي هو أبعد ما يكون عن الوضع في بنغازي وطرابلس، كذلك ليس هناك الكثير من التنظيم الميداني أو الاتجاه الواضح للقوات هناك.
يتشكل المجلس الوطني الانتقالي من ممثلي المجالس المحلية التي تأسست في فبراير لتقليص سيطرة القذافي في أنحاء البلاد. ويتولى كل عضو من الأعضاء الأربعين تمثيل منطقة جغرافية أو شريحة اجتماعية (كالشباب والمرأة والسجناء السياسيين). كان المجلس – كمجموعة – يشرف على الجهود الرامية إلى إسقاط نظام القذافي، والعمل على ضمان الأمن الإقليمي، والإشراف على الخطوات الأولية لتشكيل جمعية تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد. ورغم أنه تم إنشاء لجنة تنفيذية، فقد انحلت في الشهر الماضي. ومن الجدير بالاهتمام، يرأس المجلس الوطني الانتقالي وزير العدل السابق في عهد القذافي، مصطفى عبد الجليل الذي، وبعد سنوات من الاستياء، تقدم باستقالته أخيراً رداً على ما اعتبره استخداماً مفرطاً للعنف ضد المتظاهرين في بنغازي على يد النظام.
مسألة أخرى هامة تتعلق بالمجلس الوطني الانتقالي هي أنه حتى الآن لا يضم إلا عضوة سيدة واحدة، وهي سلوى الدجيلي. في ليبيا ما بعد القذافي، لا يقتصر التساؤل على من سيتولى زمام الأمور وكيف، ولكن أيضاً ستتم حماية حقوق وحريات الليبيين. ففي ظل نظام القذافي، كان هناك قمع لتشكيل الأحزاب السياسية المتنافسة وتأهيل القادة. ستكون تلك ثغرة كبيرة يجب ملؤها في الأسابيع المقبلة من أجل ضمان ألا تنزلق ليبيا إلى براثن نزاع مسلح بين الدوائر الانتخابية أو القبائل المختلفة بينما تجتاز المرحلة الانتقالية. بل والأهم من ذلك، فإن إغفال النساء في المجلس الوطني الانتقالي لهو أمر ينذر بالخطر بوجه خاص، على الرغم من تعهده بالتركيز على المرأة باعتبارها منطقة تستدعي اهتماماً خاصاً، وتشبه إغفال المرأة في اللجان الأولى التي تم إنشاؤها في مصر وتونس في مرحلة ما بعد الثورة. ودون وجود التزام قوي بتلبية احتياجات الجمهور ومطالبه، بما في ذلك دائرة المهمشين الذين كانت أصواتهم محل تجاهل على مدى السنوات الأربعين الماضية، فليس هناك ما يضمن ألا تشهد ليبيا حالات النضال والخيانة والتجاوز الموجود في نظام الحكم السالف.
وبينما تواصل الأوضاع التحرك نحو المرحلة المقبلة، فإن هناك دوراً هائلاً وفرصة متزايدة للمجتمع المدني، كانت غائبة عن المشهد السياسي في ليبيا إلى حد كبير خلال حكم القذافي. ففي عهد القذافي، كانت هذه الأصوات ووجهات النظر مهمشة بشكل عام وكان المجتمع المدني لا يزال غير متطور، دون أدنى قدرة على توفير الربط والتدريب والخدمات والدعم اللازم لملء الفجوات في التعبئة المطلوبة في المرحلة القادمة لمناصرة النساء والأطفال في ليبيا. إن النساء، على وجه الخصوص، تعرضن لحالات من العنف المتفاقم، بما في ذلك الاغتصاب المضاعف، على مدى الأشهر القليلة الماضية. لذا فإن دعم المجتمع المدني في أنحاء المنطقة، إلى جانب نشطاء المرأة الليبية، والشباب، والخبراء، سيكون حاسماً في اتخاذ الخطوة الأولى لسد الفجوة بين احتياجات الناس والمشهد السياسي الجديد.
الصورة مهداة من شبكة BRQ تحت رخصة المشاع الإبداعي.