تقرير حالة: المرأة في تونس
Posted on: أبريل 27, 2012, by : Editor“الاستثناء التونسي”
نظراً لتاريخها الطويل والمشهود في مجال السياسات الإيجابية في مجال المساواة بين الجنسين، لطالما أمسكت تونس بزمام المبادرة في العالم العربي في مجال حقوق المرأة. فإلغاء تعدد الزوجات والطلاق من خلال قانون الأحوال الشخصية، الصادر عام 1956، لا يزال يشكل استثناءً في العالم العربي. كذلك كانت تونس من بين أوائل الدول العربية في منح المرأة حق التصويت في 1956. أما الإجهاض فهو حق كامل مكفول منذ عام 1973. كما أن سبل الوصول إلى حبوب منع الحمل مكفولة للمرأة. هذا الاعتراف بحقوق المرأة لم يأتِ من العدم، ولكنه ثمرة جهود الحركة النسوية القوية في تونس التي ظلت قائمة لأكثر من مائة سنة.
إذن فالمعارك الطويلة التي شنتها الحركة النسوية التونسية هي السر وراء اعتبار تونس الدولة العربية الأكثر تقدماً في مجال حقوق المرأة. وبالإضافة إلى حقوق المرأة، فإن “الاستثناء التونسي” لطالما حاز على الإشادة لكونها أول دولة عربية صاغت دستوراً في القرن التاسع عشر، وأول دولة عربية أسست نقابات، وأول دولة عربية أقامت منظمات عربية وأفريقية لحقوق الإنسان.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الوضع لا يزال بعيداً عن المثالية. فالمرأة التونسية تتعلم ولكن معدل محو أمية الإناث ما زال 65،3٪ فقط، في حين أن المعدل ذاته بين الذكور يبلغ 83،4٪. تم الاعتراف بالحق في الإجهاض منذ عام 1973 وكانت إتاحة وسائل منع الحمل جزءاً من سياسة تحديد النسل، ولكن تم الإبلاغ عن العديد من حالات التعقيم القسري في المناطق الريفية في تونس. ومن غير المسموح ارتداء الحجاب في المكاتب الحكومية والجامعات، لكن القانون لا يُطبق دائماً على أرض الوقع. ويستمر التمييز القانوني فيما يتعلق بالميراث، وهو الأمر الذي يمثل الآن أولوية بالنسبة لمناصرات حقوق المرأة التونسية إذ أن تونس لم تتراجع عن تحفظها حول مواد اتفاقية سيداو المتعلقة بمسألة الميراث.
كما أن دور المرأة في الحياة العامة محدود أيضاً. فالحكومة الانتقالية لا تضم سوى امرأتين، وثمة 30 امرأة من أصل 145 ممثلاً في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. كذلك قلما توجه الدعوة إلى المرأة للحديث في البرامج الإذاعية أو التلفزيونية لاستعراض آرائها بشأن القضايا السياسية.
صعود الأحزاب الإسلامية: هل يهدد المرأة التونسية؟
إن الموقف الحقيقي للأحزاب الإسلامية في تونس بالنسبة للمرأة ليس واضحاً في الوقت الراهن. فبعد سنوات من الحظر، يُعد كل من حركة النهضة وحزب التحرير الإسلامي من بين الجماعات السياسية الأكثر نشاطاً في البلاد. فحركة النهضة، التي صارت مشروعة في الآونة الأخيرة، وحزب التحرير، الذي ما زال محظوراً، ذكرا حتى الآن دعمها لحقوق المرأة، في حين أنهما أشارا إلى أنهما لا يستطيعان قبول مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في مسائل الميراث. لكن في نظر العديد من الناشطات والمناصرات في مجال حقوق المرأة، فإن خطابهما حول المساواة بين الجنسين ليس إلا إستراتيجية لكسب التأييد.
رغم أن زين العابدين بن علي كان يحرص على تقييد الإسلاميين، وتضييق الخناق على الجماعات الإسلامية السياسية وإثناء النساء عن ارتداء الحجاب، فإن الجماعات الإسلامية الآن تستفيد بقوة من الزخم الذي تولد عن الثورة وصارت تتقدم بسرعة على الطريق. صحيح أن البلاد لها هوية علمانية قوية إذ أن غالبية النساء لسن محجبات ويوم الجمعة هو جزء من أسبوع العمل، غير أن الليبراليين يخشون من أن تتسبب الديمقراطية في منح السلطة للإسلاميين مع الانتخابات المقبلة. تتجه الأنظار إلى حركة النهضة، وهو حزب التيار الإسلامي المحظور لمدة 30 عاماً أثناء حكم بن علي والذي أُجيز في مارس 2011. وعلى الرغم من أن حركة النهضة أعلنت أنها لا تعترض على قانون الأحوال الشخصية، كما أكد أمينها العام، حمادي الجبالي، التزام الحركة بالديمقراطية، إلا أنه ذكر أيضاً أنه لا يؤمن بالفصل بين الدين والدولة. ويتكهن بعض المحللون السياسيون أن حركة النهضة قد تحصل على أغلبية في البرلمان الجديد، لما تتمتع به من تعاطف شعبي بسبب الاضطهاد الذي تعرضت له في ظل الرئيس بن علي، كما أنها تتمتع أيضاً بحسن التنظيم.
ورغم هذه التطورات، فليست حركة النهضة هي ما يخشاه التونسيون العلمانيون بشدة وإنما هو حزب التحرير. فقد ذكر قادة وأعضاء حزب التحرير أن مسألة إضفاء الشرعية عليهم يمكن أن تمنعهم من التقدم على الساحة السياسية التونسية. يلقى الفرع التونسي لحزب التحرير تأييداً قوياً من جانب قطاعات أخرى من الحركة الإسلامية متعددة الجنسيات للحزب التي لها فروع في أكثر من 70 بلداً.
مساواة دستورية جديدة بين الرجال والنساء
صوتت الأغلبية العظمى من المفوضية العليا لتونس، المسؤولة عن التخطيط لانتخابات 24 تموز/يوليو في تونس، لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في عضوية الجمعية التأسيسية الوطنية المسؤولة عن وضع دستور جديد للبلاد. أفاد قرار بتاريخ 11 أبريل، أنه لابد أن تحترم القوائم الانتخابية المساواة التامة بين الرجل والمرأة وأن القوائم التي لا تحترم المساواة لن تكون مقبولة. وبذلك تكون تونس هي أول دولة عربية تتخذ هذه الخطوة لضمان حقوق المرأة وتعزيز مكانتها في عملية صنع القرار.
يجري حالياً في تونس جدل قوي بشأن المساواة الدستورية بين الرجل والمرأة حيث يختلف المؤيدون والمعارضون لهذا التدبير إلى حد كبير حول الحكمة منه. يرى منتقدو هذا القرار أنه على المرأة كسب حقوقها السياسية عن جدارة وليس عن طريق منحها إمكانية الوصول إلى منصب سياسي من خلال مبدأ المساواة. كما أعربت بعض الأطراف أيضاً عن مخاوفها إزاء القرار، بزعم أن مبدأ المساواة بين الجنسين يمكن أن يكون عائقاً أمام إنشاء القوائم الانتخابية وفقاً لنموذج التمثيل النسبي. وأعرب رئيس الوزراء التونسي، قائد السبسي، عن تحفظه بشأن هذا التدبير، قائلا إنه على الرغم من أن القرار يُعد “تقدمياً وجريئاً”، فلن تتمكن جميع المناطق من تلبية متطلبات شرط المساواة، وبالتالي فستواجه خطر إلغاء عدة قوائم.واقترح قائد السبسي تعديل مبدأ المساواة بحيث تُقبل القوائم التي تشمل ما لا يقل عن 30٪ من النساء. وفي حين صفقت بعض الجماعات لهذه “الخطوة الديمقراطية التقدمية”، كحركة التجديد التي وصفت هذا الإجراء بأنه “تاريخي”، أعرب آخرون عن خشيتهم من أن يتم تطبيق مبدأ المساواة فقط على الجمعية الوطنية التأسيسية، إذ لم يُذكر شيء عن إدراج مبدأ المساواة الكاملة في الدستور في المستقبل. وكما تقول سهير بلحسن، رئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، سيكون الهدف من المعركة المقبلة هو ضمان “تواجد المرأة في جميع الهيئات السياسية الجديدة. يجب علينا أن ندعو إلى تحقيق المساواة، وعلى أقل تقدير، حصص المرأة من بين المنتخبين.” كذلك يجب تطوير قانون الأحوال الشخصية بحيث يشمل حقوقاً متساوية في الميراث بين الجنسين.
الحق في ارتداء الحجاب على بطاقات الهوية الوطنية
وفي تطور آخر بشأن المرأة، أعلن وزير الداخلية التونسي عن خطة لتعديل القرار الصادر في عام 1993 الذي منع النساء من ارتداء الحجاب على وثائق الهوية. وفقاً للإعلان، سيتم اعتماد مشروع قانون قريباً يمنح المرأة الحق في ارتداء الحجاب على بطاقة الهوية الخاصة بها، دون أن يتعين عليها خلعه قبل التقاط صورة البطاقة. كذلك، في حين أن ارتداء الحجاب لا يزال محظوراً رسمياً في المدارس والمؤسسات العامة الأخرى، يتم حالياً التغاضي عن المخالفات.
التطلع إلى المستقبل
بينما تتجه تونس نحو إعادة الإعمار وتحقيق المساواة بين الجنسين، ينبغي زيادة تدعيم حقوق المرأة على جميع المستويات كما ينبغي إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة في القانون وعلى أرض الواقع من أجل ضمان عدم تهميش المرأة من أولويات المرحلة الانتقالية على النحو الذي يتجلى في الشعار المشترك “التحول السياسي الأول، وحقوق المرأة في وقت لاحق.” فحقوق المرأة أولوية بقدر القضايا السياسية الأخرى ويجب أن يتم التعامل معها خلال المرحلة الانتقالية.
الصور مهداة من مستخدم فليكر بموجب رخصة المشاع الإبداعي